استكشاف فن العيش والتراث والطبيعة خلال عطلة نهاية أسبوع
هل ترغب في استكشاف تقاليد ومهارات عتيقة؟
هل تريد أن تتذوق أكلات واحد من أحسن المطابخ على مستوى المملكة؟ وهل تحب الاستمتاع بالأماكن الطبيعية والفضاءات الخضراء؟
توجه إلى مدينة فاس لقضاء عطلة تجمع بين الغنى الثقافي والأطعمة اللذيذة والمتعة في الطبيعة.
تزخر فاس والمناطق المجاورة لها بتراث مادي ولا مادي استثنائي للغاية، وترحب بك للمجيء إليه العيش تجربة أصيلة وفريدة من نوعها. تجذب المدينة أيضًا عشاق الثقافة والموسيقى، خصوصا خلال أيام المهرجان العالمي للموسيقى الروحية ومهرجان فاس للثقافة الصوفية. هذه التجارب التي ستعيشها خلال فترة عطلة نهاية الأسبوع فقط، ستجعلك تقع (أو تعيد الوقوع) في حب هذه المدينة الملكية العريقة في التاريخ.
توجه إلى باب بوجلود الذي يعد أحد الأبواب الرئيسية للدخول إلى المدينة. بني هذا الباب الكبير في القرن الثاني عشر ميلادي، وتغطيه أشكال وتركيبات دقيقة من الزليج الأزرق (وهو لون متواجد بكثرة في مدينة فاس) والأخضر الذي يرمز إلى الإسلام. ثم توجه إلى درب الطلعة لكبيرة الشهير والذي يعد أحد أطول أزقة المدينة القديمة وأكثرها ازدحامًا في كل الأوقات. غير بعيد عن هذا الباب بأمتار قليلة فقط، سوف تكتشف المدرسة البوعنانية، وهي مْدرسة بها إقامة رائعة تخصصت في التعليم الديني. هذه البناية الخاصة بالتدريس والتي تضم في داخلها مسجدا، شيدت في عهد الدولة المرينية، وذلك في القرن الرابع عشر ميلادي. وهي موقع عريق يكشف عن تركيبة رائعة من الزخرفة على الجبص، الرخام، الخشب المنحوت والزينة بواسطة أنواع من الزليج، إذ سيمكنك هذا المكان من استكشاف جمال وبراعة الصناعات التقليدية. عند الخروج من المدرسة، لا تنسى أن ترفع رأسك إلى الأعلى لترى كنزا ثمينًا يشهد على مستوى التقدم العلمي الذي شهدته المدينة: المڭانة، وهي ساعة مائية فريدة من نوعها يعود تاريخها إلى القرن الرابع عشر ميلادي.
وأنت تواصل النزول عبر الطلعة الكبيرة، وحتى تضيف لمسة المفاجئات والأصالة على جولتك بالمدينة، لا تتردد في دخول لفْنادقْ التي تصطف على جانبي الأزقة، والتي تتميز بعدد كبير من الأنشطة التقليدية كما تضم في طوابقها ورشات صغيرة للصناعة التقليدية.لا يزال عدد كبير من هذه الفنادق يحتفظ بنشاطه الأصلي كما هو الحال بالنسبة لفندق قاعة السمن، الذي لا يبتعد عن مكان تواجد المدرسة البوعنانية سوى بخطوات قليلة، ولا يزال السمن التقليدي واللحم المجفف إلى اليوم يباع في هذا الفندق. أما إذا كنت تحس بقليل من الجوع، فستجد العديد من الفرص في طريقك لتذوق الرغايف باللوز أو البريوات اللذيذة التي يتقن الفاسيين إعدادها.
وأنت تسير عبر الطلعة لكبيرة في اتجاه قلب المدينة القديمة، لا تتردد في التجول بين الأسواق. كل مكان أو منتوج سيعطيك اسمه فكرة عن مكانه الأصلي وتخصصه. هكذا فسوق العطارين اشتهر منذ القدم بالتوابل والأعشاب الطبية المختلفة، أما سوق السكاكين فيتخصص في صناعة الأدوات المتعلقة بالفروسية، فيما اشتهرت مجمعات أسواق الحايك والسلهام والتاليس ببيع الملابس التقليدية وكل ما يتعلق بها. عند منتهى سوق العطارين، توجد مدرسة تحمل نفس الاسم ومحطة ذات رمزية ثقافية لا يمكن تفويت زيارتها. فعلى الرغم من كونها متواضعة وصغيرة، إلا أن هذا الفضاء الخاص بالتعليم والتدريس يعتبر مثالًا رائعًا شاهدا على الهندسة المرينية، حيث لا يزال فناء المدرسة يضم حوض من الرخام وذا هيبة خاصة.
وبالقرب من مدرسة العطارين، يوجد مجمع جامع القرويين العريق والعظيم. بُني هذا الجامع في القرن التاسع ميلادي على يد العالمة فاطمة الفهرية، الملقبة بـ”أم البنين”، ويحتضن أقدم جامعة في العالم ما تزال تشتغل إلى يومنا هذا. كان هذا المكان المخصص للتعليم الديني ولتلقين مختلف العلوم على مر القرون، فضاء مهما يلتقي فيه العلماء مع الطلبة من داخل فاس وخارجها. ولا تزال مكتبة القرويين تضم بين جنباتها عدد من الكتب القيمة للغاية.فقد أصبحت المكتبة بعد إعادة تهيئتها وترميمها تضم قاعة للمطالعة وأخرى مخصصة للندوات، إضافة إلى مختبر لترميم الكتب ومجموعة من المؤلفات النادرة جدا.
وعلى بعد خطوات قليلة من القرويين، توجد زاوية ومسجد سيدي أحمد التيجاني التي تتميز هي الأخرى بتأثيرها الروحي الاستثنائي الذي وصل جميع أنحاء المغرب العربي وإفريقيا. ويأتي الزوار من جميع أنحاء العالم إلى هذا المكان للاحتفاء وتكريم مؤسس الطريقة التيجانية الصوفية الشهيرة.
على مقربة من جامع القرويين، يوجد ضريح مولاي إدريس، قبر مؤسس مدينة فاس والذي خضع لأشغال ترميم بنايته مؤخرًا. لا يزال هذا المكان مزارا يشهد حركية ونشاطا مستمرا. وبالقرب منه، يضفي سوق الشمع الملون ومحلاته التي تختلط فيها رائحة البخور مع خشب الصندل وروح الياسمين والورد وزهر البرتقال، أجواء معطرة مميزة. في هذا المكان، وبالتحديد في ساحة الصفارين الشهيرة، تشهد الحياة الحرفية نشاطا ورواجا كبيرا، حيث لا يزال العديد من الحرفيين ممن يدقون النحاس يتجمعون فيها إلى يومنا هذا. ويوجد بالمكان أيضا فندق النجارين، الذي لا ينبغي تفويت زيارته، حيث أصبح في الوقت الحالي يحتضن مقر متحف الفنون والحرف الخشبية.
تربط زنقة المشاطين بين ساحة الصفارين ودار شوارة للدبغ التي تكتسي شهرة كبيرة، وهي مكان يمكنك فيه مشاهدة عمل أحد آخر الحرفيين المتبقيين و المتخصصين في تحويل قرون الحيوانات إلى مشط، حيث يمكنك في هذه الأزقة شراء مشط رائعة للشعر إضافة إلى أشياء أخرى. سينتهي بك مطاف هذه الرحلة إلى وصول دار الدبغ شوارة، المعروفة في جميع أنحاء العالم، والتي تثير الإعجاب بشكلها وأصالتها وعراقتها. من خلال إحدى الشرفات التي تطل على الساحة، يمكنك مشاهدة الطرق القديمة المميزة لتنظيم العمل وتقنياته الموروثة أبا عن جد التي يستخدمها الدباغون في هذا المكان الرائع بكل المقاييس.
لا تفوت: يوجد على طول أزقة المدينة القديمة عدد هائل من القصور والرياضات (riads) التي يستحسن زيارتها لاكتشاف مميزاتها. للاستمتاع بكأس شاي أو وجبة غداء، لا تتردد في طرق أبواب هذه الفنادق العريقة والصعود إلى سطحها لتناول وجبتك أو احتساء كأس الشاي يمكنك أيضا، في حال ما إذا لم ترد أكل أو شرب شيء معين، القيام بزيارة لهذه الأماكن الراقية المليئة بإرث التاريخ.
بعد قضاء لحظات مميزة وانغماسك بما يكفي من الوقت في أعماق المدينة القديمة، حان الوقت للاسترخاء في المدينة والاستمتاع في الهواء الطلق. المحطة الأولى في هذا اليوم هي جنان السبيل، والتي تعرف بالرئة الخضراء للمدينة القديمة والمكان المفضل لدى الفاسيين للتنزه والاسترخاء. تضم هذه الحديقة تضم ما يزيد عن 3000 نوع من النباتات والتي صممت بشكل يبهج الزوار، حيث تم غرسها حول منبع مائي كان يستخدم لسقي الحديقة في القديم.
توجه بعد ذلك ناحية القصر الملكي، الذي سيبهرك جمال بوابته الرائعة والتي شيدت على النمط الأندلسي. فقد تطلب بناء هذه الأبواب البرونزية الرائعة المحاطة بالزليج وبالمطارق، عملاً هائلاً من طرف الحرفيين الماهرين. من خلال السير بمحاذاة حائط القصر الملكي الطويل الذي تخترقه العديد من البوابات الأثرية، ستتاح لك الفرصة للتعرف على المزيد من خصائص الهندسة المعمارية للعهد المريني في القرن الرابع عشر، خصوصا الموجهة لحماية المدينة، ولاسيما بعد اكتشاف باب السكمة وباب محروق.
للحصول على لمحة عن المناطق القروية المحيطة بهضبة سايس والاستمتاع قليلاً بالتعرف على معالم المدينة البارزة، اذهب إلى ساحة برج الشمال. استوحى هذا البرج تصميمه من الهندسة المعمارية البرتغالية، حيث شيد في القرن السادس عشر وكان يضم سابقا مصنعًا للمدافع ومركزا للمراقبة. وقد تم تحويله حاليا إلى متحف دار السلاح. إذا كنت ترغب في الاستمرار في التجول بجانب هذه الأسوار، فيمكنك التوجه إلى مقبرة باب فتوح، بوابة النصر أو ناحية البرج الجنوبي الذي يوفر هو الآخر إطلالة بانورامية استثنائية على التلال وعلى الأفق. ثم اغتنم الفرصة ما دمت على المرتفعات بالجلوس في أحد الفنادق الجميلة في المدينة للاستمتاع بوجبة خفيفة وأنت تتمتع بالمناظر المحيطة بك.
تقع مدينة فاس في الأطلس المتوسط، وتتميز الأراضي القريبة منها بالفضاءات الخضراء.
فعلى بعد 45 دقيقة فقط بواسطة السيارة، ستجد مدينة إموزار كندر ومنبعها المائي المعروف بعين سلطان. تعد هذه المدينة وجهة مفضلة للكثيرين، خصوصا خلال فصل الصيف، حيث يكون مناخها معتدلا بالمقارنة مع أجواء فاس التي تتميز بالحرارة في هذا الوقت. عندما يحين وقت الغداء، بإمكانك الذهاب إلى أحد المطاعم المتواجدة بالمنطقة والتي تقدم طبق الأرنب وسمك التروتة الطازج...
كما يمكنك أيضًا الاتجاه إلى مدينة صفرو، وهي قرية ساحرة تقع عند سفح الأطلس المتوسط ، وتشتهر بشلالاتها وأيضا بفاكهة الكرز. كما يوجد بها عدد من الحرفيين الماهرين الذين يقومون بالنحت على أشجار الجوز والدُّلْب والمُران، ليصنعوا منها أوعية خاصة بالحساء وموائد والصحون الخاصة بتقديم الأطعمة. إذا كنت تريد أن تستمر في رحلتك ناحية الجنوب، فتوجه نحو إفران، المدينة المعروفة بلقب”سويسرا المغرب الصغيرة”.تعتبر هذه المدينة ذات السحر الخاص، محطة مناسبة لاكتشاف المنتزه الوطني لإفران، لكونها فضاء طبيعي يحبه الناس كثيرا بفضل غنى نظامه البيئي ومناظره الطبيعية الخلابة. تمتد أشجار الأرز على مساحات هامة تغطي أجزاء كبيرة من الأطلس المتوسط، وتبرز من وسطها أشجار أرز غورو المعروفة جدا. إفران، مكان ستتاح لك فيه فرصة رؤية طيبوبة سكان المنطقة ولطف تعاملهم، وكذلك شقاوة قرود الماكاك البربرية التي توجد بالقرب من هذه الشجرة بكثرة.
لا تفوت: على بعد حوالي عشر دقائق فقط من مدينة صفرو، توجد البهاليل، وهي قرية صغيرة أصلية، تخبئ لك الكثير من المفاجآت. تضم العديد من المنازل المبنية داخل الصخر على شكل كهوف. تشتهر القرية أيضا بخبرة ومهارة سكانها المعروفين بصبرهم في إعداد أزرار الجلابيب يدوية الصنع.
تعتبر فاس أول موقع مغربي يتم تصنيفه سنة 1981ضمن قائمة اليونسكو للتراث العالمي للإنسانية. وتشهد المدينة في وقتنا الحالي تحولا كبيرا يمكنك رؤيته أثناء تجولك في مختلف أماكنها. استفادت المدينة القديمة من العديد من برامج إعادة التهيئة والتثمين، حيث تم ترميم معالم كبيرة بين سنتي 2013 و2017، بلغ عددها 27 بناية عريقة. وشملت أشغال الترميم هذه كلا من مدرسة الصهريج ومدرسة الصفارين والمدرسة المصباحية التي أنشأت في القرن الرابع عشر ميلادي، إضافة إلى قيساريات الكفاح التي تعود لعهد الأدارسة، وعدد من الفْنادق، خصوصا فندقي عشيش ولكتانين.كما تم أيضا إعادة ترميم دور الدباغة عين زليتن وسيدي موسى، وكذا العديد من المنازل التقليدية كدار الضمانة ودار لزرق.
وتم في نفس الفترة تنفيذ برنامج خاص بـ”الصناعة التقليدية للمدينة القديمة بفاس” حيث اعتمد على إعادة تهيئة ساحة لالة يدونة، فنادق الشماعين، والصبيطريين، والستاويين والبركة، وكلها جواهر معمارية حقيقية ترجع إلى القرنين الرابع عشر والخامس عشر. تعتبر هذه الفنادق من بين 120 فندقا يتواجد بالمدينة تتم فيها عدد من الأنشطة الحرفية، وبذلك فإن إعادة ترميمها يعد بمثابة أسلوب للحفاظ على المهارة الحرفية للمدينة وحمايتها من الضياع. وقد تم إطلاق برنامج إضافي لإعادة تأهيل مدينة فاس مع بداية سنة 2018، والذي من بين أهدافه تثمين 11 موقعًا آخر، بما في ذلك الساعة المائية الشهيرة.
تقع قرية مولاي يعقوب على بعد حوالي عشرين كيلومترًا من فاس، وهي وجهة مميزة لمحبي الحامات الطبية في المغرب. بعد أن تشق طريقك عبر أعماق الصخور لمسافة 1500 كيلومتر، ستجد المياه الحرارية الغنية بالأملاح والمشبعة بالكبريت لمولاي يعقوب، حيث تصل حرارتها إلى 54 درجة مئوية. وتتميز بالعديد من الخصائص المهدئة والمضادة للالتهابات، كما أن هذه المياه تعد فعالة بشكل خاص ضد الصدفية وحب الشباب وأيضًا أمراض الروماتيزم وغيرها. استفادت هذه المحطة، سنة 2015، من برنامج طموح للترميم وتحديث أحواضها القديمة، حيث أصبحت اليوم تتوفر على مسابح تقليدية جديدة ومجهزة كما تقدم خدمات للإيواء والعلاج تناسب كل الميزانيات.