استراحة ممتعة واسترخاء في أجواء هادئة
هل تحب الخروج إلى الطبيعة في الهواء الطلق والاستمتاع بالمحيط؟ توجه إلى الصويرة “مدينة الرياح التجارية”، للاستمتاع برحلة مليئة بالأنشطة في ساحل البحر وغنية بالتراث. تقع هذه المدينة الصغيرة المشهورة بالرياح وبأصالتها الساحرة على بعد ساعات من السير من الدار البيضاء ومراكش. تقدم الصويرة كافة الظروف للقيام بنزهة ممتعة، حيث يمكنك التجول بين أسوار مدينتها القديمة ومناطقها المحصنة أو الاسترخاء على شواطئها، إنها المكان المثالي لتحط الرحال والتوقف للمتعة والاسترخاء.
كما أنها تعتبر الوجهة المفضلة لعشاق رياضة ركوب الأمواج الشراعية (الكيت سورف وويند سورف). أما بالنسبة لعشاق الموسيقى، فالصويرة تحتضن مرات عديدة في السنة تظاهرات ومهرجانات متنوعة، مثل مهرجان الموسيقى والثقافات الإلكترونية “موغا فستيفال” ومهرجان كناوة وموسيقى العالم، وهي مناسبات ستمكنك من اكتشاف المدينة والتعرف على جانبها الاحتفالي والثقافي.
أفضل مكان لتنطلق في جولتك خلال فترة الصباح هو من أمام باب السبع، الباب الذي يعود تاريخه إلى القرن التاسع عشر. ستكتشف في هذا الموقع جمال الترميم الجديد الذي خضع له هذا المكان. وقد أصبحت الأسوار التي تحيط بها الممرات المزينة بالأزهار والورود من الأماكن المفضلة لدى سكان الصويرة، حيث ستجد عددا كبيرا منهم يجلسون في مجموعات قرب الأسوار إما للحديث أو للعب الورق. وأنت تدخل إلى المدينة القديمة، سيظهر لك برج الساعة الذي يعتبر أحد المعالم المرجعية لهذه لمدينة. شيدت هذه الساعة سنة 1928، وشهدت أشغال إعادة ترميم هام في سنة 2019، والذي سمح لها بتنظيم إيقاع حياة الصويريين من جديد، بحيث ترن عند رأس الساعة وعند حلول كل نصف الساعة. أمام برج الساعة، تقدم في اتجاه ساحة الشفشاوني حيث ستصل سريعا إلى أحد أشهر المخابز بالمدينة، ويمكنك في هذه المؤسسة الأسطورية التي تم إنشاؤها سنة 1928 أن تحظى بتذوق بعض أنواع الحلويات، بما في ذلك حلوى “بطاط” الشهيرة.
تابع طريقك بعد ذلك نحو شارع مسجد القصبة الذي ينبض بالحياة، حيث توجد بالقرب منه العديد من المقاهي التي يعود أقدمها إلى بداية القرن العشرين، إلى أن تصل إلى ساحة مولاي الحسن، حيث يجتمع سكان المنطقة والسياح طيلة اليوم وعلى مدار الساعة. يمكنك الاستمتاع في جلسة بإحدى شرفاتها بشرب القهوة أو تناول وجبة غداء مميزة على أنغام إبداعات فناني الشوارع وإيقاعات كناوة التي لا تزال حاضرة بقوة داخل أسوار المدينة، حيث تم إدراج هذا الفن المميز سنة 2019 في القائمة التي تمثل التراث الثقافي اللامادي للإنسانية من طرف منظمة اليونسكو. وتشير طيور النورس التي تحلق عاليا فوق هذه الساحة إلى أن الميناء قريب من هذا المكان.
يدخل العديد من الصيادين إلى ميناء الصويرة لأجل تفريغ بضاعتهم والمشاركة في المزاد الذي يقام للبيع والشراء. ويبقى ميناء الصويرة الذي يتميز بحركته التجارية وأجواءه الاستثنائية أحد أهم المواقع التي يجب زيارتها في هذه المدينة. يحافظ الميناء على سحر خاص بفضل العديد من القوارب الخشبية الصغيرة بلونيها الأزرق والأبيض التي توجد به والتي لا تزال تجذب الفنانين والمصورين. بشكلها الذي يشبه البطاقات البريدية، سقالة الميناء هي عبارة عن مجمع محصن تم بناؤه في القرن السابع عشر على أنقاض القلعة البرتغالية “كاستيلو ريال”. ومن على السقالة يمكن الاستمتاع بإطلالة رائعة جدا، حيث تظهر جزر الصويرة التي تتكون على وجه الخصوص من جزيرتي موغادور وفرعون. يعتبر هذا الموقع البيئي الهام في الوقت الحالي محمية للطيور، كما يضم بين أرجائه أيضًا بقايا سجن يرجع إلى القرن التاسع عشر.
وبالرجوع إلى ساحة مولاي الحسن، ستلاحظ أثناء حلول وقت الغداء النشاط الكبير الذي تشهده مطاعم الأسماك العديدة في هذا المكان. قبل مواصلة جولتك، توقف لالتقاط بعض الصور واجلس للاستمتاع بالسمك اللذيذ الذي تم اصطياده في البحر.
بعد الانتهاء من وجبة الغداء، تابع رحلتك التاريخية في الصويرة من خلال السير في الطريق الذي يؤدي إلى درب سقالة، حيث توجد أعداد من الأكشاك التقليدية والمحلات العصرية. يوفر درب السقالة فرصة التنزه بشكل ملهم جدا بين الحقب، حيث كان هذا المكان في السابق عبارة عن منصة مبهرة للمدفعية، والتي بنيت إبان القرن الثامن عشر. يحتفظ الموقع بذكرى موغادور المقاتلة والتي نجحت بفضل مدافعها العديدة من رد هجمات العدو من جهة البحر. في أسفل السقالة، يمكنك التوقف أيضا لترى العمل المذهل الذي أنجزه الحرفيون من خلال النقش الذي قاموا به على العرعار وأشكال ترصيع عرق اللؤلؤ. وأنت تسير بعد ذلك بين الأزقة، لا تنس أن تشتري أشياء من المتاجر الصغيرة التي تعرض منتوجات النسيج الرائعة والأزياء التقليدية المخططة والحقائب المصنوعة من الجلد و القصب، بالإضافة إلى مواد ومستحضرات التجميل وأنواع كثيرة من المواد الغذائية التي تم إعدادها من زيت الأركان.
لا تفوت: لشراء المنتجات الجميلة، اتجه إلى سوق الجديد الذي يقع بين باب مراكش وباب دكالة. ستجد على طول شارع مليئ بالناس والحركية باعة كل أنواع الزيتون والفواكه والخضروات والدجاج واللحوم، وكذلك سوقا خاصا بالسمك تشتهر به المدينة كثيرا. يوجد هذا السوق في ساحة يعود تاريخها إلى سنة 1863، وتعرض محلاته مختلف أنواع سمك السردين والدنيس والوحيد والبوري الأحمر والروبيان، حيث تعرض بأشكال جميلة ومتنوعة تنتظر الزوار ليأخذوها معهم إلى منازلهم أو للذهاب بها إلى أحد المحلات الخاصة بالشواء القريبة من المكان.
بعد الانتهاء من زيارة أهم المعالم التاريخية الرئيسية في هذه المدينة، حان الوقت لاستكشاف الجوانب والمميزات الفنية للصويرة، ولعل أفضل وجهة للقيام بذلك هي الذهاب مع بداية اليوم إلى الساحة المقابلة لبرج باب مراكش. حيث كان في السابق هذا الموقع الذي تنظم فيه وبانتظام العديد من المعارض والفعاليات الثقافية عبارة عن برج للمراقبة، وذلك من القرن التاسع عشر إلى أن أعيدت تهيئتة سنة 2012. وعلى بعد خطوات قليلة فقط من باب مراكش، يوجد المركب الحرفي الذي يعرض نبذة عن البراعة التي يتميز بها حرفيو مدينة الصويرة.
وعلى الرغم من أن حرفة النقش على خشب العرعار هي التي تحظى بالشهرة والانتشار الواسع، إلا أن المدينة تبدع كذلك في حرف أخرى، مثل المنتجات الفضية والصوفية والجلدية. وكان خشب العرعار الذي يتميز برائحته الزكية يستخدم لبناء أسقف منازل الأثرياء والمساجد. فيما شهدت هذه الحرفة ازدهارًا حقيقيًا كبيرا مع بداية القرن العشرين، مع تركيزها حينها على صناعة قطع الديكور ومختلف أنواع الصناديق وموائد المناسبات والشمعدانات وحتى ألعاب الشطرنج. وفي يومنا هذا، تحظى هذه الحرفة باهتمام ومكانة خاصة، وذلك من خلال تقنيات تجمع خشب العرعار مع خشب أشجار الليمون. ففي جميع أنحاء المدينة القديمة، تنتشر ورشات العمل الإبداعية والمتاجر التقليدية للأعمال الدقيقة والجميلة التي تعرض منتوجات حرفيي الصويرة. وفي الجهة المقابلة لهذا المجمع، يوجد منزل القايد مبارك سعيدي، باشا موغادور في القرن التاسع عشر، الذي يعتبر العنوان الأسطوري الذي قد يجعلك ترغب في أخذ استراحة ممتعة، لأنه بالرغم من حفاوة إستقبال بهو هذا المنزل، إلا أن الصعود إلى سطحه لمشاهدة المدينة القديمة من زاوية 360 درجة أمر لا يمكن تفويته أبدا.
يعتبر محمد طبال وسعيد ورزاز وحسين ميلودي ومحمد زوزاف وعبد المالك برهيس أهم الفنانين التشكيليين المعروفين بالصويرة والذين تركوا بصماتهم في الفن المغربي. فلا تتردد وأنت تتجول أو تسير في أزقة المدينة القديمة في فتح أبواب المعارض الفنية المختلفة التي تعطي الفرصة أيضا للفنانين الشباب وتمكنهم من تقديم إنتاجاتهم. وإذا كنت ترغب في العودة إلى أصول “مدرسة الصويرة” الفنية والاطلاع على تاريخها، فاتجه إلى المكان الدي يوجد تحت برج الساعة حيث ستلتقي هناك بفريديريك دامغارد، مؤرخ الفن الدنماركي الذي أعجب كثيرا برسامي المدينة، مما جعله يقرر إنشاء أول معرض فني في المدينة القديمة للصويرة.
ومن الأكيد أن الصويرة وأجواءها جذبت العديد من الرسامين والمصورين، وحتى الموسيقيين والمخرجين. فقد أعجب بها كل من جيمي هندريكس وكاث ستيفنز وقررا النزول بالمدينة والاستقرار بها. كما اتخذ المخرج أورسون ويلز من المدينة ديكورا لمسرحيته الشكسبيرية “عطيل” (Othello) ، ستجد بين برج الساعة وساحة مولاي الحسن مساحة خضراء صغيرة تخلد ذكرى مرور هذه الأسطورة الكبيرة للفن السابع. إذا كنت ترغب في تطوير مهارتك وذوقك الفني، فلا تتردد في الاتصال بواحد من أصحاب المعارض ليقوم بتوجيهك إلى ورشة العمل الإبداعية، حيث يمكنك الاختيار بين ورشة للرسم أو التصوير أو الشعر، على حسب ما تريده.
إذا كانت كل هذه الاستكشافات قد نالت إعجابك واستمتعت بها كما ينبغي، فلا تفوت الفرصة للاستفادة من الهدوء الذي يطبع رياضات المدينة والجلوس بواحد منها لأجل تذوق الأسماك اللذيذة أو بسطيلة فواكه البحر، من بين أكلات أخرى يمكن اختيارها، قبل أن تتوجه للاسترخاء على الشاطئ إلى أن يحين غروب الشمس. عند مغادرة الشاطئ، أمامك الكثير من الاختيارات لتناول وجبة خفيفة تقليدية، مثل الحمص المبخر أو المسلوق. وبالنسبة للأشخاص المحبين للأنشطة ، فشاطئ الصويرة يعد أيضًا المكان المناسب للمشي لمسافات طويلة أو ركوب الخيل أو ركوب الدراجات الرباعية في الاتجاه المؤدي نحو منطقة راس سيم عبر غابة ديابات. أما الرياضيون، فسيخططون بلا شك لقضاء فترة ما بعد الظهيرة في ممارسة رياضة الغولف أو الهوايات المائية في عرض البحر. فالمدينة معروفة بكونها المكان المفضل والوجهة التي يقصدها بالدرجة الأولى عشاق رياضة “الكيت سورف” وباقي رياضات ركوب الأمواج، وذلك بفضل امتيازها بالرياح القوية، والتي تعتبر سبب إطلاق لقب “مدينة الرياح التجارية” على الصويرة.
لا تفوت: على بعد أمتار قليلة فقط من مسجد بن يوسف الذي يعتبر أكبر مسجد في الصويرة، يوجد مطعم قديم ستجد فيه عددا من قطع الأثاث والديكور التي تعود إلى سنوات الخمسينيات والستينيات والسبعينيات من القرن الماضي، حيث تبدو متشابكة في مزيج رائع من الأشكال والألوان والمواد العصرية.
لابد أنك أدركت خلال جولتك بها أن الصويرة تسير على إيقاع الفنون والثقافة. ويعود الفضل في هذا إلى جمعية تأسست على يد صويريين شغوفين بهذه المجالات، حيث كونوا جمعية الصويرة موكادور سنة 1992، والتي تسعى إلى الحفاظ على مكانة الصويرة وتعزيز إشعاعها. سعيا منها للمساهمة الفعالة في التجديد الثقافي بهذه المدينة، فرضت الجمعية نفسها بقوة كشريك متميز في العديد من التظاهرات والفعاليات، مثل مهرجان كناوة وموسيقى العالم، ومهرجان ربيع الموسيقى الكلاسيكية، ومهرجان الأندلسيات الأطلسية. تتخذ جمعية الصويرة موكادور حاليا من مبنى دار الصويري مقرا لها. يعتبر هذا الرياض الذي بني في سنة 1907 تحفة معمارية مميزة، وفضاء مخصص بشكل كلي للثقافة، حيث بات وجهة مفضلة يقصدها جميع عشاق ومحبي الصويرة. تقام على مدار السنة في هذا المبنى حفلات موسيقية وأمسيات شعرية ومعارض للتصوير الفوتوغرافي أو الفنون التشكيلية، بالإضافة إلى النقاشات والمؤتمرات والندوات. فلا تفوت إذن زيارة هذا المكان المميز!
إذا كان لديك يوما إضافيا في برنامجك بهذه المدينة، فبإمكانك الذهاب والاستمتاع بهدوء منطقة سيدي كاوكي، التي تعتبر قرية صغيرة تشتهر كثيرا برياضة ركوب الأمواج و “الويند سوف” (ركوب الأمواج شراعيًا). في هذا المكان ستستمتع بمناظر طبيعة تحيط بها غابة شجر الأركان والعرعر. وعلى طول شاطئ سيدي كاوكي الشاسع، يمكنك أخذ حمام شمسي بينما ستستمتع بأصوات أمواج البحر. يمكنك أيضا ممارسة لعبة التنس في الشاطئ مع العائلة أو ألعابا أخرى. كما يمكنكم خوض تجربة التنزه بالركوب على ظهر الخيل أو الجمل. وفي وقت الغداء، ستستمتع برؤية البحر لوقت طويل خلال الجلوس بأحد المطاعم الصغيرة التي توجد على طول الشاطئ.