ثقافة، تراث وفن العيش العربي-الأندلسي، بين البحر والجبال
هل اشتقت لنسيم البحر الأبيض المتوسط وعذوبة الحياة؟ تعتبر مدينة تطوان بمثابة صندوق محفوظ يخفي داخله أسرارا كثيرة، ينتظرك لاكتشاف مؤهلاته الكثيرة التي تتوزع بين التنوع الثقافي، فن الطهي العربي-الأندلسي والمناظر الخلابة التي تحبس الأنفاس. بالفعل، فالمباني التاريخية للمدينة وجدرانها، التي ما تزال محفوظة تماما على الشاكلة نفسها التي شيدت عليها أول مرة تقريبا، تجعل من تطوان واحدة من النماذج البارزة للمدن المحصنة على ساحل البحر المتوسط. بفضل تراثها المعماري الفريد من نوعه، تأثيراتها اليهودية والأندلسية وكذلك موقعها الاستراتيجي بين الشرق والغرب، تم إدراج المدينة ضمن قائمة التراث العالمي للإنسانية من قبل منظمة اليونسكو سنة 1997.
تُعرف تطوان باسم “الحمامة البيضاء”، وهي مدينة تتميز في عمقها بتعدد الثقافات. يمكن رؤية تجليات ذلك من خلال الهندسة المعمارية والحرفية وتقاليد فن الطبخ بالمدينة. نتجت تلك التأثيرات كلها، من بين أسباب أخرى، عن النزوح الجماعي لآلاف المسلمين إثر سقوط مملكة غرناطة عام 1492. فقد قام القائد الغرناطي أبو الحسن علي المنظري، خلال هذه الفترة من التاريخ، بإعادة بناء المدينة التي دمّرها، قبل ذلك ببضعة عقود، الحاكم البرتغالي لمدينة سبتة. وُلدت تطوان حينها من جديد من تحت أنقاضها، ثمّ شهدت لاحقا نموا وتطورا ملحوظا شمل كافة الأصعدة والمستويات. شُيّدت تطوان على الساحل المتوسطي، وتغري المدينة كما العديد من المناطق المحيطة بها، ولا سيما خليج تامودا، الصغار كما الكبار بشواطئها الرائعة حيث تحلو فيها السباحة والاسترخاء، كما تدعو إلى ممارسة العديد من الأنشطة المائية لأجل المتعة والترفيه.
تحظى مرتفعات عين بوعنان بشعبية كبيرة ومكانة متميزة لدى التطوانيين. يتعلق الأمر بموقع أخضر متميز يبرز فوق تل كبير، سيسمح لك الوقوف فيه برؤية شاملة لمدينة تطوان بزاوية 360 درجة. يعتبر هذا المكان سبب تسمية المدينة بـ”الحمامة البيضاء”، حيث تجذب المباني انتباه الزائرين بلونها الأبيض الناصع. تعد عين بوعنان أيضا مصدر نبع المياه التي تشتهر بكونها نقية، على وجه الخصوص. فالمنطقة تجذب على مدار السنة السكان المحليين كما الزوار الباحثين عن الهدوء، المتعة والنضارة. بدورهم، محبو المشي لمسافات طويلة لا يفوتون فرصة زيارة هذا المكان للتبرد عند نوافير هذا العين.
يتميز مطبخ منطقة تطوان بخصوصيات كثيرٌ منها يعتبر موروثا من الحقبة الأندلسية الماضية للمدينة. فأكلة البايلا تعتبر من النماذج البارزة الدالة على ذلك، وهي عبارة عن طبق من الأرز بالزعفران ممزوجا مع مأكولات بحرية، يلتقي حوله التطوانيون للاستمتاع به وتقاسم لحظات مميزة. كما تشتهر تطوان أيضًا بأكلة السفيرية (لحم الغنم بالكراميل مع اللوز)، البسطيلة بالدجاج مع الحامض أو بالكلى البيضاء والطاجين بالدجاج المزكلدي (يتم إعداده من الحامض المربى، الكبد والقوانص). بمناسبة عيد الأضحى، يقوم سكان تطوان بإعداد التحلية، وهو طبق يتم إعداده من لحم الغنم مطبوخا مع الزبيب والسمت (عصير العنب).
أما في ما يتعلق بالمنتجات المحلية، فالجبن الطازج المحلي (جْبنْ)، الذي يتم لفه بأوراق النخيل من قبل نساء المنطقة، يعتبر تخصصا محليًا لا ينبغي تفويت تذوقه خلال زيارة تطوان. كما تشتهر المدينة كذلك بالعديد من أنواع الحلويات، مثل كعب الغزال المسننة، القطايف باللوز والبندق، كعكات الفول السوداني فائقة النعومة، وكلها يتم لفها بدقة وبعناية. بالطبع، يجب تذوق بقلاوة اللوز الشهيرة ذات نكهة البرتقال، خلال زيارة المنطقة!
يقع الفضاء الثقافي دار العدي في قلب المدينة القديمة، بالقرب من القصر الملكي لتطوان. تم تحويل هذا المنزل القديم، الذي تم بناؤه في عشرينيات القرن الماضي وفقًا لطراز معماري تطواني خالص، إلى فضاء ثقافي. ستتمكن، من خلال قاعات هذا الفضاء السبعة الخاصة بالعروض والموزعة على 4 مستويات، من اكتشاف التطور الذي شهدته تطوان بين سنوات 1525 و1955، وذلك من خلال وثائق تعود لهذه الفترة من الزمن (طوابع، نسخ للوحات، نقوش). بدوره يقدم معرض “رؤى تطوان” لمحة تاريخية ورحلة تراثية حقيقية عبر قرون من الزمن، بفضل هذه المجموعة الفريدة من الصور التي يعرضها. يتم كل ذلك داخل بناية تعتبر جوهرة معمارية خضعت لإعادة الترميم بشكل مثالي، إذ تستحق في حد ذاتها الاستمتاع بالنظر فيها.
لالتقاط مناظر وصور ستجعل عطلتك هذه في تطوان راسخة في الذاكرة، توجه إلى ساحة الفدان التي تقع أسفل المدينة القديمة وقم بجولة فيها. يوفر هذا المكان إطلالة رائعة للاستمتاع برؤية المنازل البيضاء للمدينة القديمة التي تمتد على ظهر جبل درسة وأسوار القصبة. هل تريد المزيد؟ يمكنك التقاط هذه المناظر البانورامية الرائعة بالليل كما بالنهار، فالساحة مفتوحة 24/24ساعة.