نهاية أسبوع بالجنوب الكبير، بين المسارات الطويلة والشواطئ
هل تريد استكشاف خبايا جنوب المملكة المغربية والخروج من الروتين عبر خوض تجارب وطريقة عيش مغايرة؟ وجهتك إذن هي طانطان، المدينة الصغيرة التي تقع على بعد 300 كيلومتر من أكادير والعيون. تقع طانطان في قلب المناظر الطبيعية الصحراوية لمنطقة كلميم-واد نون، وتوفر كافة الظروف للزوار الذي يحطون الرحال بها للانقطاع والانعزال عن العالم. تعد المدينة كذلك نقطة انطلاق مثالية لاكتشاف فضاءات طبيعية وثقافية مميزة. ولكن ليس هذا فحسب، فالمنطقة تزخر كذلك بخط ساحلي رائع تحده كثبان رملية ذات مناظر خلابة، كما تتواجد بها واحات غارقة في التاريخ والأساطير، ستستمتع فيها بالهدوء والهواء النقي أثناء استكشافك لها.
يعتبر مدخل المدينة حيث يتواجد التمثال العملاق لجملين أبيضين أفضل مكان يمكن أن تنطلق منه في جولتك في طانطان. فالترحيب بالزوار واستقبالهم أصبح شعارا للمدينة منذ سنوات عديدة. لن يفوتك بعد ذلك التنزه في شوارع المدينة والدخول إلى مختلف المحلات والمتاجر التي يمكن أن تقضي فيها بعض اللحظات للتسوق وشراء منتوجات الحرف اليدوية والمنتجات المحلية. إذا كنت ترغب في جلب بعض الهدايا التذكارية الأصلية معك من المنطقة، فاذهب إلى قاعة العرض الخاصة بالمنتجات الحرفية التي تعرض أدوات تبرز الخبرة الحرفية التي تتميز بها المنطقة (زرابي، مجوهرات فضية، أدوات منحوتة على الخشب، ملابس صحراوية تقليدية، إلخ.).
بعد الانتهاء من جولتك الصغيرة في المدينة، اتجه إلى منطقة خليج طانطان الذي يسمى أيضا بـ“الوطية”. يتعلق الأمر ببلدة ساحلية صغيرة جميلة تقع على الطريق المؤدية ناحية العيون، على بعد حوالي 25 كيلومترا من وسط مدينة طانطان. يمكنك هناك مشاهدة موكب القوارب والمركبات التي عادت للتو من رحلات الصيد، مع الاستمتاع في نفس الوقت بالشواطئ التي توفر كافة وسائل وظروف الراحة والاستجمام، في جو تحيطك فيه كثبان رملية جميلة. أخيرا، إذا كنت من عشاق ركوب الأمواج، فلا شك أن الأمواج التي تتميز بها المنطقة ستغريك كي تتعلم رياضة ركوب الألواح بصحبة مدربين محترفين. يتواجد بشاطئ طانطان نادي متخصص في تقديم الدروس وتوفير المعدات الخاصة بهذه الرياضة.
بعد الاستمتاع بسحر ساحل المدينة وجمالها، توجه إلى واحة وين مذكور التي تصنف واحدةً من الجواهر الطبيعية التي تزخر بها المناطق المحيطة بطانطان. تقع الواحة على بعد حوالي ثلاثين كيلومترا من المدينة، ولا تزال تحتفظ بمناظر طبيعية أصيلة وبواحة أسطورية بكل المقاييس. سوف تكتشف على وجه الخصوص خلال زيارتك لهذه المنطقة عددا هائلا من الزوايا والأولياء الصالحين، بالإضافة إلى “القبر العملاق” المعروف أيضا باسم “قبر طيطان”. تروي واحدة من الأساطير أن قبيلة كانت تستقر بالمنطقة خلال القرن الثاني عشر يبلغ طول رجالها أزيد من مترين.
لا تفوت: تشهد مدينتي طانطان (يوم الأحد) والوطية (يوم الخميس) عقد السوق الأسبوعي الخاص بهما، فلا تفوت فرصة زيارة هاذين التجمعين المتميزين.
اسلك الطريق المؤدية ناحية جنوب طانطان، ثم قم بوقفة أولية عند وصول مصب وادي شبيكة. ستتاح لك الفرصة هناك للاستمتاع بفضاءات ومساحات شاسعة تغطيها رمال ذهبية وكثبان رملية رائعة للغاية. ثم توجه بعدها إلى وادي جريفية الذي يعد بدوره موقعا سياحيا بيئيا ممتعا ستستمتع فيه وسط أجواء السافانا. كما ستتاح لك الفرصة لرؤية الحيوانات العديدة التي تشتهر بها المنطقة، مثل ابن آوى أو الغزال.
بعد المشي، واصل رحلتك نحو منطقة أخفنير حتى تصل بحيرة أخنيفيس التي تعرف كذلك باسم بحيرة “نايلة”. تقع هذه الأخيرة بين طانطان وطرفاية، وتتميز بكونها أكبر بحيرة على طول ساحل المحيط الأطلسي، وتعد البحيرة الصحراوية الوحيدة في منطقة شمال إفريقيا. تمَّ إنشاء هذا الموقع ذو الأهمية البيولوجية والبيئية الرائعة سنة 2006 في المنتزه الوطني لأخنيفيس الذي يمتد على مساحة 185 ألف هكتار.
يمكنك الاستمتاع بهذه المناظر الاستثنائية التي تتناوب فيها الكثبان الرملية ومساحات مائية، بمشاهدة طيور النحام وردية اللون، أبو ملعقة الأبيض (أبو ملعقة الأوراسي)، الخرشنة القزوينية وكذلك طائر أبو منجل الأقرع الشمالي. للاستمتاع بشكل أفضل بهذه البيئة المتميزة، قم برحلة على متن قارب في هذه البحيرة.
لا تفوت: بعد قطع حوالي 80 كيلومترا من السير في جنوب طانطان، خذ بضع لحظات للاستمتاع بمراقبة فجوة أخفنير المعروفة كذلك باسم “حفرة الشيطان”. تكونت هذه الحفرة على امتداد آلاف السنين بسبب عوامل التعرية وعمليات المدّ والجزر لمياه البحر. يتعلق الأمر بموقع جيولوجي فريد يثير حب الاستطلاع، حيث يصل عمقه 40 مترا وعرضه 30 مترا. وهو مكان مثير للإعجاب، سواء للرؤية أو لالتقاط الصور.
ينعقد موسم طانطان في شهر ماي من كل سنة، ويجمع حوالي ثلاثين قبيلة من قبائل الجنوب المغربي وكذلك من مناطق أخرى من شمال غرب إفريقيا. لا يزال هذا الحدث إلى يومنا هذا يشكل حدثا هامّا لمحبي الثقافة الصحراوية والمدافعين عنها. يعتبر الموسم مناسبة هامة وفرصة للاحتفال بالتقاليد الثقافية الحسانية والعمل للحفاظ على مهارة وخبرات الحرف التقليدية للمناطق الصحراوية.
ستتمكن خلاله من زيارة معرض ضخم يضم حوالي مئة جناح ويحتوي على مختلف أنواع المنتجات التقليدية التي تزخر بها المنطقة: الطرز، الأثواب، الأزياء والألبسة الصحراوية، المنحوتات الخشبية، وما إلى ذلك. ولعل أبرز ما يميز هذا الموسم هو “الكرنفال” السنوي الذي يتكون من العديد من المجموعات والفرق القادمة من جميع أنحاء المملكة، حيث تجوب نواحي وشوارع المدينة لتسليط الضوء على الفولكلور الشعبي والاحتفاء به. تم الاعتراف بالمكانة العالمية لموسم طانطان في سنة 2008، من خلال إدراجه ضمن قائمة التراث الثقافي اللامادي للإنسانية من قبل منظمة اليونيسكو.
إذا كان لديك يوما إضافيا، فتوجه إلى سيدي إفني الواقعة على جرف يطل على المحيط الأطلسي، والتي تعتبر محطة مميزة للانتعاش، الاستجمام والراحة. تتميز المدينة الصغيرة بهندستها المعمارية الفريدة التي تعود إلى عهد الاستعمار. يظهر ذلك جليا في شبكة من الشوارع والطرق التي تؤدي كلها إلى ساحة مركزية بيضاوية الشكل. ستستمتع في هذه المدينة برؤية عدد من المباني التي شيدت على طراز فن آرت ديكو، بما في ذلك الكاتدرائية القديمة التي تم تحويلها إلى مقر للمحكمة. من المهم كذلك اكتشاف سوق البلدية وسوق المرسى، وهما مكانان ينبضان بالنشاط والحيوية، حيث يتم فيهما الصيد التقليدي لسمك السردين، الدنيس و سمك كروكر.
يعتبر الاسترخاء على الشاطئ النشاط الرئيسي الذي ينبغي الاستفادة منه والاستمتاع به خلال النزول بسيدي إفني… فخلال موسم الصيف كما في الشتاء، توفر الشواطئ الكبيرة التي تتميز برمالها البيضاء الظروف المثالية للتنزه والاستجمام. كما تستحق المناطق القروية في سيدي إفني بدورها الزيارة والتجول فيها. فبعد عبور ساحل المدينة، يتيح لك الطريق فرصة التعمق بين الجبال لاستكشاف القرى والبلدات الصغيرة للمنطقة، مثل منطقتي تيوغزة واثنين أملّو. كما ستتاح لك الفرصة أيضا للدخول إلى مقر العديد من التعاونيات التي تشتغل في مجالات مختلفة والتي تسعى للترويج لمنتوجات الأركان والتين الشوكي (الهندية).