فسحة ساحلية وثقافية بالمدينة العتيقة للعرائش
هل ترغب في الاستمتاع بعطلة على الساحل بلمسة تاريخية عريقة ؟ مدينة العرائش وجهة غنية جدا ومناسبة لتحقيق ذلك، حيث يمكنك اكتشاف مناخها المعتدل وغاباتها المتوسطية وشواطئها الرملية الطويلة وتاريخها الغني بالتراث الأندلسي. وكلها عوامل تضمن إقامة مريحة وعطلة هادئة سواء مع العائلة أو بصحبة الأصدقاء. وليس هنالك ما يضاهي التجول في أزقة المدينة، خاصة تلك الواقعة على ارتفاع يمنحك فرصة مشاهدة البيوت البيضاء بأبوابها الزرقاء المميزة. وتعتبر الشرفة المطلة على المحيط الأطلسي مكانا مثاليا للتنزه على طول الساحل الذي يتميز بمناظر خلابة جميلة لالتقاط صور تذكارية. أثناء الإقامة بالمدينة، ستتمكن من اكتشاف المباني التاريخية الكثيرة التي يزخر بها المكان والتي تعود إلى القرن السابع عشر، بالإضافة إلى تشكيلة فريدة من الأطباق المحلية ذات الطابع المتوسطي. ستحظى كذلك بفرصة الاستمتاع بالرمال الدافئة التي تحد الشاطئ، مع ممارسة رياضة الغولف، واكتشاف مدينة ليكسوس الأثرية، إلى جانب عدد آخر من الأنشطة التي تجعل من هذه المدينة جوهرة تسحر الزائرين.
أفضل ما يمكن أن تستهل به رحلتك هو القيام بجولة استكشافية للمدينة العتيقة التي تمتد من شارع محمد الخامس إلى ساحة التحرير. تمثل هذه الاخيرة إلى جانب ساحة إسبانيا القديمة، التي تشتهر بشكلها الإهليجي، أبرز المعالم الحضرية للمدينة الحديثة. ففي هذا المكان بالذات، ستجد بنايات يعود بناؤها إلى عشرينيات القرن الماضي، وذلك خلال عهد الاستعمار الإسباني للمنطقة. تجمع هذه المباني بين الأسلوب الانتقائي و البناء العربي بنزعته المعاصرة، حيث شيدت بشكل يلفت الأنظار ويغري الزوار.
عند عبور بوابة باب بارا، ستكون قد وصلت القيسارية التي يعود تاريخها إلى القرن الثامن عشر، من خلالها سيتسنى لك اكتشاف السوق الصغير الذي يتميز بعرض عدد هام من المنتوجات المحلية، بالإضافة إلى استكشاف ساحة السلاح القديمة التي يبرز المسجد الكبير في وسطها. حيث بني هذا الأخير في القرن الثاني عشر خلال فترة حكم الموحدين للمنطقة، و يتميزبمئذنته التي بنيت بواسطة الحجارة الرومانية والبيزنطية. قبل مواصلة رحلتك بالمدينة، لا تتردد في التوقف والجلوس بإحدى المقاهي التي تطل على ساحة التحرير للاستمتاع قليلا بلحظات جميلة تحت أشعة الشمس.
مرورا عبر السوق الصغير ناحية الشمال باتجاه الميناء، وبعد التغلغل في الأزقة والنزول عبر السلالم متجاوزا بذلك المسجد الكبير، واصل طريقك بتتبع مجرى الوادي حتى تصل بويرتا ديل مار (باب البحر) التي ستمكنك من الولوج إلى حديقة البرج ، وهي عبارة عن رصيف سابق تم تشييده في عهد الحماية. في نفس المكان، توجد الزاوية الناصرية، و أيضا مسجد المصبانية في الناحية التي تؤدي تجاه البحر. أما في ناحية الشرق، فستمر بجوار الحي اليهودي القديم الذي يشتهر ببيوت جميلة بشرفاتها الكبيرة، حيث بإمكانك التنزه في الترسانة التي لاتزال قائمة إلى حدود اليوم. تعتبر ساحة المخزن الواقعة بمحاذاة الكازار مكانا تاريخيا عريقا ومعلمة من معالم المدينة، والتي تلتف حولها عدد من البنايات، أهمها الكازار البدائي ببرج تعلوه ساعة على النمط العربي الحديث، ومقر القيادة العسكرية الذي تحول اليوم إلى معهد للموسيقى. بالقرب من هذا الأخير، يوجد أيضا قصر اللقلاق الذي يعود تاريخه إلى القرن السادس عشر، حيث تم بناؤه من طرف السعديين.
استرح قليلا قبل الانطلاق مجددا في رحلة استكشاف سحر هذه المدينة وفك لغز أسرارها. تعتبر زيارة حديقة هيسبيريديس ضرورية لا ينبغي تفويتها. تم بناء هذه الحديقة العمومية في عشرينيات القرن الماضي لسد الفجوة التي كانت تحيط حينها بحصن اللقلاق. وقد سميت الحديقة بهذا الاسم تيمنا بنظيرتها التي كانت توجد في أزمنة قديمة بمحاذاة مدينة ليكسوس الأثرية. وكانت حراسة المدخل الرئيسي للحديقة يؤمنها أسدان تم جلبهما من إيطاليا في عهد السلطان مولاي عبد العزيز سنة 1908، وقد بقيا لمدة طويلة في الميناء إلى أن تم إنشاء هذه الحديقة النباتية. أما في الواجهة المقابلة لبنايات ساحة المخزن، وبالضبط على حافة التل المطل على الميناء، فيوجد برج اليهودي الذي يعود تاريخه إلى القرن الخامس عشر، وكان في السابق برجا دفاعيا كونه يتميز بدرع يرمز لسلالة آل النمسا. ويضم البرج حاليا متحفا أثريا يمكنك زيارته أيضا أثناء الإقامة بالعرائش.
لا تفوت:
يعتبر مقر إقامة القائد العسكري دوق غيس من أكثر الأماكن رمزية في العرائش وأحد أهم معالمها التاريخية، وذلك قبل أن يتم تحويله إلى فندق حديثا. ظلت هذه الإقامة بحدائقها الواسعة تحت ملكية دوقات أورليانز غيز(Ducs d’Orléans-Guise)، الذين ينحدرون من سلالة الملك الفرنسي، حيث قرروا الاستقرار بالعرائش سنة 1909 بعدما تعرضوا للنفي من بلادهم. ولعل أشهرهم هي الدوقة إيزابيل اورليان التي ترددت على المدينة بشكل مستمر إلى حين وفاة زوجها في عام 1940، حيث قررت إثر ذلك الاستقرار في هذا المكان لما تبقى من حياتها. وقد لعبت دوقة غيز دورا مهما في الحياة الاجتماعية بالمدينة، حيث أحاطت نفسها ( belat diwan ) بديوان صغير إلى حين وفاتها عام 1961. بعد ذلك ببضع سنوات، أقدم كونت باريس على بيع هذه الملكية بأكملها، والتي أصبحت فيما بعد مؤسسة فندقية، حيث ينتظر الفندق حاليا إعادة وتجديد بنايته.
استفد من فرصة تواجدك بساحل المحيط الأطلسي لقضاء لحظات من الاسترخاء على الشاطئ. عديدة هي سواحل مدينة العرائش كما أن مميزاتها كثيرة. توفر هذه السواحل البحرية الظروف المثالية لممارسة رياضة ركوب الأمواج. أما إذا كنت تبحث عن شاطئ يتميز بالهدوء والسكينة، فعليك بالتوجه إلى شاطئ لوكوس الذي يحظى بشهرة كبيرة. وعلى الجانب الآخر من النهر، مرورا من الميناء، يوجد شاطئ ريا، المعروف بشعابه المرجانية وبقلة أمواجه. وهو الشاطئ الذي تفضله الأسر.
على الجانب الآخر من نهر لوكوس ناحية الشمال، وبعد تجاوز جدار كسر الأمواج بالقرب من الميناء، ستجد نفسك أمام شاطئ العرائش الساحر، المعروف كذلك باسم بيليكروسا (الخطيرة) أو رأس الرمل. وهو عبارة عن شاطئ يمتد لكيلومترات عديدة. يعتبر هذا الساحل المكان المثالي للاستمتاع بيوم كامل على جانب البحر. وتوجد في محيط العرائش شواطئ أخرى لا تقل أهمية عن سابقتها، مثل شاطئ سيدي بوقصيبات، الذي يتواجد بين الكثبان الرملية والغابة المتوسطية التي يغطيها السنديان الأخضر والفليني. وهو شاطئ يمكنك ولوجه عبر سلك طرق غير معبدة انطلاقا من موقع ثكنات الفيلق الإسباني السابقة، والواقعة على بعد 3,6 كلم من قرية سوق خميس الساحل. يمكنك اختيار قضاء يوم كامل في شاطئ رضا الواقع عند مصب واد صغير والذي تحيط به بدوره كتبان رملية، حيث يمتد إلى أن يلتقي بشاطئ سيدي مغايت الشهير. تتواجد بين هذين الشاطئين الواقعين في جنوب العرائش، مجموعة من الشواطئ التي تعتبر سواحل صعبة الوصول إليها. أما إذا عرجت على قرية دوار أولاد صخار، فسترى أمام عينيك مساحة شاسعة من الكثبان الرملية تنتهي عند شاطئ يتميز بمنحدرات صخرية يطلق عليه سكان المنطقة اسم الشاطئ “المنعزل”، وهو شاطئ على شاكلة الشواطئ المرسومة على البطاقات البريدية.
على بعد مسافة 45 كيلومترا فقط من مدينة العرائش، توجد قرية مولاي بوسلهام والمناطق المجاورة لها. تتميز هذه المنطقة بإطلالة بانورامية خلابة، وهي عبارة عن محمية طبيعية رائعة. أما بحيرة المرجة الزرقاء المعروفة جدا، فيفصلها عن البحر جدار طويل من الكثبان الرملية، وهي المكان الذي تتدفق فيه عدة أنهار ذات المياه المالحة، على رأسها وادي دريدر. وقد تم تصنيف بحيرة المرجة الزرقاء كمحمية ومنتزه طبيعي، حيث تهاجر إليها الآلاف من الطيور خلال موسم الشتاء، خصوصا بين شهري أكتوبر ومارس. تشمل أصناف الطيور التي تهاجر إلى هذه المنطقة كلا من مالك الحزين والنحام الوردي وبومة البوبو كابينسيس والخرشنة القزوينية وصواي اوراسيا والاوزة الربداء، وغيرها من الأصناف الأخرى. ويمكنك استكشاف البحيرة عبر ركوب قارب لتعيش لحظات ساحرة يصعب نسيانها، خاصة خلال ساعات الظهيرة واللحظات التي تسبق فترة غروب الشمس. لا تتردد في الاستعانة بمرشد محلي كي يقدم لك معلومات أكثر ويعرفك بكل أصناف الطيور المتواجدة حولك وبجمال هذا المكان.
تعتبر زيارة موقع ليكسوس الأثري من الأمور الضرورية أثناء الإقامة في العرائش. تقع أطلال هذا الموقع التاريخي بالقرب من واد لوكوس، على بعد حوالي 3,5 كلم شرق العرائش. منذ تأسيسها على يد الفينيقيين قبل 2500 سنة، تعاقبت حضارات مختلفة على هذه المدينة الأثرية. فقد سيطر عليها القرطاجيون في فترة من الفترات، قبل أن تسقط فيما بعد في أيدي الرومان. وتجدر الإشارة هنا إلى أن الموقع خضع للترميم وإعادة تهيئته بالكامل في سنة 2019، ليظل شاهدا على أقدم مدينة وحضارة في تاريخ المغرب، حيث تغطي مساحة المدينة عند تأسيسها ما يقارب 62 هكتارا، لتصير بذلك مكانا يعكس تاريخ وماضي المنطقة بأكملها. وقد تم رسم برامج رهن إشارة زوار الموقع بالإضافة إلى مركز خاص رهن إشارة الوافدين لتقديم الاستشارة والإجابة على كافة الاستفسارات لتمكينهم من التعرف على أسرار مدينة ليكسوس القديمة.
وسيتسنى لك في هذا المكان أيضا زيارة مصنع تمليح الأسماك، والذي كان يستعمل الثوم كبهار أحبه الرومان كثيرا في ذاك الزمان. سوف تكتشف أيضا تماثيل أعدت من البرونز لكل من هرقل وعنتي، بالإضافة إلى ثيسيوس ومينوتور، إلى جانب عدد من العملات المعدنية القديمة والأواني الفخارية والخزفية وغيرها من القطع الأثرية الأخرى. وحسب ما ترويه بعض الأساطير، فإن هرقل قام بإنجاز إحدى مهماته الإثنى عشر بليكسوس، ويتعلق الأمر بقطف التفاح الذهبي من حديقة هيسبريديس. بالإضافة إلى إطلالته المميزة على نهر لوكوس، فإن الجزء العلوي من التل يوفر لك رؤية شاملة للمقبرة وكذا بقايا المعبد الكبير الذي بني على النمط القرطاجي. يوجد بالقرب من المسرح نحت من الفسيفساء يجسد إله المحيط.
إذا كنت من المهتمين أكثر بتاريخ مدينة ليكسوس الأثرية، فليكن في علمك أن عددا هائلا من التماثيل واللوحات الجدارية والقطع القديمة الخاصة بهذه المدينة تعرض في متحف التاريخ والحضارات بالرباط، وكذلك بالمتحف الأثري لمدينة تطوان.